“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
صيف 2007، وقتها كان عندي 13، كان بداية معرفتي بالبيت إياه…
هوسي بالكورة مقلش مع الوقت، مش زي يعني ما أهلي كانوا متخيلين، إنه مجرد لعب عيال ومرحلة وهتعدي، فضلنا نتجمع كل يوم جمعه من بعد الصلاة ولحد المغرب وايام بعد الوقت ده كمان، خصوصًا في إجازة الصيف حيث لا مدرسة ولا واجب ولا مسؤوليات…
كل كام سنة كنا بنغير مكان لعبنا، من باب تغيير الروتين، في الصيف إياه قريب واحد صاحبنا قعد عنده شهر كامل، لقيناه في يوم من الأيام جي علينا وبيقول إنه اكتشف مكان حلو جدًا، مساحة واسعة، خلا، ومفيش سكان يضايقونا ولا يشتكوا من دوشة ولا يحزنون، حماس الغرب بقى، أهم كده يحبوا يتجولوا ويستكشفوا في المناطق بتاعتنا وبيعتبروا أي اكتشاف لمكان جديد إنجاز…
وافقنا علطول واتفقنا تاني يوم نتقابل تحت بيت واحد فينا ونروح مع الولد المكان اللي بيقول عليه..
مشينا وراه وتهنا! الواد طلع نبيه، نسي المكان اللي راحه، ومش يتأسف ويقول “حقكوا عليا، أنا مغفل، يالا نرجع” لأ، ده اصر إنه في الآخر هيقدر يوصل، وفضلنا ماشيين…وقف فجأة، ابتسم ابتسامة انتصار وقال:
-أهو، المكان أهو..
هو مكدبش، المكان فعلًا واسع جدًا، وتقريبًا خالي من الناس والمباني، المبنى الوحيد الواضح كان بيت كبير واقف لوحده وحواليه أرض أظن إنها تبعه، ودي الأرض اللي كان يقصدها زميلنا…
سألته:
=هو أنت مشيت كل ده لوحدك إمبارح؟ داحنا من العاشر من رمضان ومتجرأناش نسرح بالشكل ده قبل كده..
-سرحت فعلًا، وأول ما لقيت المكان ده قلت يبقى الملعب الجديد، مفيش مخلوق هيعكنن علينا.
=أيوه بس الناس اللي في البيت ده ممكن يشتكوا، بالعكس بقى ممكن ناخد راحتنا بزيادة ونتحمس، وصوتنا يعلى، أو الكورة تترمي وتكسر إزاز ولا حاجة.
واحد زميلي تاني قال:
-بيت مين وناس إيه؟ أنت مش شايف منظر البيت، واضح طبعًا إنه مهجور، كمية التراب اللي عليه والحشيش الدبلان في الأرض يقولوا إن البيت منسي من زمان، وش مفيش حد هنا.
فعلًا، البيت كان شكله تعبان أوي، واضح إن متعملوش صيانة من سنين كتير فاتت والحش.يش في الساحة مش بس دبلان ده كان م.يت خالص، وفي مناطق متسحرة، اتشال منها الحشيش، لكن برضه مكنتش واثق إذا كان فعلًا البيت مهجور ولا في سكان عايشين…
فقت من أفكاري على صوت واحد فينا بيقول:
-يالا، هتلعبوا ولا إيه؟ ولا هنقعد نفكر كتير؟
كلنا في نفس واحد قلنا “يالا”، مهو مينفعش حد فينا كان يعترض، منظره كان هيبقى وحش، وفعلًا لعبنا…
وبعد ما خلصنا الماتش الأولاني قررنا نلعب ماتش تاني، اتحمسنا واللعبة خدتنا، واخدنا على المكان بسرعة..
بعد ما خلصنا قلنا نرجع تاني بعدها بيوم، ومن غير كلام كنا عارفين وكلنا موافقين إن ده هيكون مكاننا الجديد…
وجينا تاني يوم ورمحنا في الساحة الكبيرة وماخدتش بالي من أي حركة، البيت واضح إنه فعلًا مهجور، لكن لسه لحد وقتها مكنتش متأكد! مش عارف ليه، قلت مثلًا جايز أصحاب البيت يكونوا مسافرين أو لأي ظرف مش موجودين في البيت وهيرجعوا قريب، وأكيد لما يرجعوا مكنوش هيبقوا مرحبين باحتلالنا الجنينة بتاعتهم…
وفاتت الأيام وطلعت غلطان، محدش ساكن البيت ده، ملوش أهل يسألوا عليه!
ومع مرور الأيام كبر جوانا شعور إن المكان مكاننا، زي مبدأ الحيازة كده ووضع اليد، الساحة الكبيرة دي بتاعتنا إحنا وبس وإحنا الأحق إننا نلعب فيها.
الوضع فضل على ما هو عليه، لحد اليوم ده…
كالعادة أخدتنا الحماسة، وكل واحد يمسك الكورة يطير بيها، لحد ما جت في رجلي أنا وحرفيًا طارت مني، طارت وكسرت شباك من شبابيك البيت وبقت جواه…
الكل بص لي ، مكنوش محتاجين يقولولي إني أنا اللي المفروض أجيبها، المشكلة إن الشباك كان بعيد، عشان أوصل اضطريت أروح زاوية متدارية ، غبت عن عنيهم..
معرفش ليه جتلي لحظة ارتجفت، عيني ثبتت على البيت، الأجواء جواه كانت كئيبة أوي، حاجة مكنتش مريحاني..
استعديت أنط من شباك كان مفتوح لولا إن على آخر لحظة لقيت اللي بتطلع راسها من الشباك وهي ماسكة الكورة وترميها عليا!
ست كان شكلها في الخمسينات، في خصل من شعرها بيضة، خصل جنب بعض، خلت شكلها مميز لإن باقي شعرها كان إسود فاحم، قطعة بيضة وسط سواد….
بصتلي بغضب وقالت:
-إيه اللي جابك هنا؟
=ا…أنا آسف جدًا للإزعاج، كنت أنا و…وصحابي بنلعب كورة وغصب عني الكورة طارت مني والشباك اتكسر، أنا…ممكن بك.ره أجيب كل الفلوس اللي محوشها وأديهالكم، مكناش نعرف إن البيت في ناس…آس…
قاطعتني وقالت:
-إياك تهوب ناحية هنا تاني، وياريت أنت وأصحابك متجوش تلعبوا أصلًا.
أول ما خلصت جملتها رمتلي الكورة من الشباك، وزغرتلي.
هزيت راسي بتوتر، يعني البيت مطلعش مهجور، وكمان أصحاب البيت متضايقين مننا، مفيهاش بقى، المفروض مكناش نروح تاني، بس ده محصلش…
اللي حصل إننا قعدنا حاجة بتاعة أسبوعين مش بنروح، احترمنا رغبة سكان البيت لكن في الآخر مقدرناش، مقدرتش التزم بكلمتي ولا اسيطر على باقي المجموعة، وكلنا على بعضنا، بما فيهم أنا الصراحة، مقدرناش نقاوم رغبتنا إننا نرجع تاني…
هو المكان مكنش أحسن مكان في الدنيا، بالعكس كان مقبض، الحشيش الدبلان، الأرض المتسحرة، والبيت البائس المهمل، لكنه كان مكان منسي، مساحات لينا، بتاعتنا وبس، محدش بيزاحمنا فيها، وعشان كده رجعنا تاني…
مكنتش مخطط هعمل إيه لما نروح، إزاي هواجه الست اللي نبهت عليا مقربش للبيت، وطلبت إننا منلعبش حواليه، ده على فرض إنها ست وحيدة، لو طلعلنا بقى كذه حد هنتصرف إزاي؟
في الأول قلبي كان هينط من صدري، كنت خايف جدًا ومستني اشوف رد فعل من الست اللي ساكنة في البيت، لكن فاتت دقايق ومعاهم دقايق، وعدت الساعة وأخدت في ديلها ساعة والست مظهرتش ولا سمعنا صوتها، وواحدة واحدة فكيت وبطلت قلق، لحد ما نسيتها تمامًا واندمجت في اللعب…
الصيف خلص وخلال الدراسة كنا بنروح الخميس بعد المدرسة والجمعة، لحد ما جه صيف تاني…
مع الوقت أصحابي بقى عندهم قناعة إني لسبب ما كنت بضحك عليهم لما حكتيلهم على قصة الست أم خصل بيضة اللي ظهرتلي من الشباك ونبهت عليا مقربش من البيت ورمتلي الكورة، مهو برضه مش منطقي يكون في حد عايش في البيت وخلال كم المرات اللي روحنا فيها مشفنهوش لا بيدخل ولا بيخرج، ولا في مرة طلعلنا وقال لنا نبطل لعب وإننا بنسببلهم إزعاج..
أنا نفسي بدأت أشك في نفسي….
الذكرى بعدت ومعاها بقيت مهزوز، مش واثق من أي تفاصيل من اللي حكتها، من الحوار ومن شكل الست ويمكن حتى من وجودها…
بس الوضع اتغير…
في لقطة من اللقطات كنت بجري، مندمج في اللعب، وكان في مسافات ما بيني وبين الباقي، وقتها لمحت ضلال في البيت…
ضلال ل 3 أشخاص بيمشوا جواه…
سرحت في الضلال، مش بس عشان السكان طلعوا 3 مش واحد، حركتهم كمان كانت غريبة، كإنهم هايمين كده…
فقت على حد من أصحابي بيندهني، نبهني إني مش بلعب، كملت لعب، وبما إن عقلي كان في حته تانية مكنتش قادر أركز وألعب عدل.
هي قالتلي مهوبش ناحية البيت لكن أنا ملتزمتش بالوعد….
مقدرتش، الفضول كان هيموتني، ليه سكان البيت معترضوش على وجودنا؟ ليه إحنا محسيناش بوجودهم كل الفترة دي؟
تاني يوم روحت الصبح، لأ، مش مع صحابي والكورة، أنا روحت لوحدي…
أدركت قد إيه القرار كان غبي لما وصلت، افرض حصل لي حاجة؟ محدش أصلًا كان عارف إني رايح هناك، يعني مفيش أمل إن حد يلاقيني سواء كنت عايش ولا م.يت..
لكن مكنش في مجال للرجوع، دخلت جوه الساحة اللي بنلعب فيها عادة، فضلت أتمشى، شوية لقيت نفسي بقرب على البيت، بقرب، بقرب، واتحولت لمخبر، بقيت اراقب في الشبابيك وأبص كويس من خلال البلكونات المفتوحة، مش بس مكنش في دليل على وجود أي حد، البيت نفسه، بيت لا يصلح للعيشة، مفيش عفش تقريبًا، التراب اشبار وبيوت العنكبوت هي اللي معششة، معقول حد يكون عايش وسط القذارة دي؟؟
اللي عملته بعد كده هو إني قربت على الباب، برضه معرفش كنت بفكر في إيه، همد إيدي يعني وأخبط؟ ولو حد فتحلي هقول له إيه؟
قطع حبل الأفكار صوت الباب المزعج وهو بيتفتح، وطلعتلي نفس الست…
المرة دي عنيها كانت حمرة، بتطق شرار، حواجبها معقودين، شعرها هايش ، شكلها كان ب.شع! مرعب، معرفش هل ده شكلها من الأول وأنا اللي كنت مش واخد بالي ولا المرة دي شكلها كان مختلف عن المرة الأولى؟ مش بس ملامحها اللي خلتني أرتجف، حضورها في حد ذاته، الأجواء مكنتش مريحة، ومتأكد إن مع فتحة الباب في لفحة هوا بتراب هبت فجأة وسمعت نعيق غراب…
الست قالت وهي بتجز على سنانها:
-أنا مش قلتلك قبل كده متهوبش ناحية البيت؟؟
=ما هو أصل…
-أصل إيه؟ هتقول لي كورة برضه المرة دي؟ مفيش كورة، وأنت جي برجليك عند عتية البيت وكمان لوحدك، أنت لوحدك تمامًا!
بلعت ريقي بالعافية، هي إزاي عرفت؟ إزاي عرفت إني جيت لوحدي وإن المجموعة مش معايا؟
إيه الغباء ده؟ الخوف لغى عقلي ولا إيه، طبيعي فهمت إني لوحدي عشان مكنش في أصوات تانية، مفيش دوشة ولا زعيق ولا جري كالعادة…
رجعت طمنت نفسي بعد التحليل ده، لكن برضه أنا كنت لسه مر.عوب، لسه في كارثة غرزت فيها ومكنتش عارف هخرج إزاي.
-أنت جيت هنا ليه يا ولد؟
=بصراحة…
-هاه؟؟
=أصلنا بقالنا أكتر من سنة بنلعب هنا و…يعني محدش طلع قال إننا بنعمل إزعاج وكمان شفت امبارح 3 ضلال وأنا مكنتش أعرف إن في سكان تانيين غير حضرتك، فكنت عايز اتأكد إن الدنيا تمام يعني مش بنعمل للسكان إزعاج…
-فشر، كله فشر! اللي جاب رجلك هنا، على العتبة هو الفضول، أنت عايز تعرف…
=أعرف؟
-تعرف البيت واللي بيدور جواه…
بعدها اتقدمت خطوات، بقت على حرف الباب وخلاص على وشك إنها تخرج لي، اتخشبت، لو كانت فعلًا طلعت ومدت إديها بس وجرتني لجوه كنت هدخل بمنتهى السلاسة، لا من شاف ولا من دري، والله أعلم كانت عملت فيا إيه..
من الر.عب وقفت محلك سر، مستني مصيري، لكنها مخرجتش، وقالت بعنيها المبرقين:
-إياك يا واد تقرب كده تاني، مش هقولك إياك تدخل عشان عارفة إن ده اللي بتفكر فيه، إياك بس تقرب من البيت، كفاية إنكوا متسابين تلعبوا حوالينه..
المفاجأة إن كلامها زود فضولي والرغبة في إني أدخل البيت!
أنا كده بقيت متأكد إن البيت ده ورا سر كبير وإن الست دي بتعمل نشاط مشبوه ومعاها المساعدين بتوعها، أيوه هي دي أكيد راس الأفعى، وبتأمرهم بنشاط غامض، مرعب، وهو ده اللي مسكتهم علينا كل الفترة اللي فاتت، مش عايزين شوشرة، حابين يفضلوا في الضلمة، ميتشافوش وميتحسوش، حتى لو ده معناه إنهم يستحملوا شوية عيال لزجة بيحتلوا الساحة اللي حوالين البيت وبيرمحوا فيها، وده برضه يفسر حال البيت وحال الح.شيش الدبلان وعدم الاهتمام، ببساطة لإن البيت ده زي مقر شغل للنشاط المش.بوه، عايشين فيه وبيمارسوا شغلهم اللي عليه علامات استفهام…
الفضول فضل يزيد لكن من غير تصرف! معملتش أي تحركات، متجرأتش، وفاتت سنتين كمان…
كل اللي كنت بعمله لما بنروح نلعب هو إني كنت بقف من وقت للتاني بالقرب من شباك أو بلكونة وبحاول القط أي حركة، أشوف أي حد، كنت أوقات بلاحظ تحركات، وفي لقطة معينة دي اللي كانت بتتكرر، الضلال التلاتة ماشيين ورا بعض هيمانين، وأوقات ضل واحد بيمشي، وضل قاعد على كرسي مش بيتحرك، والوصف الدقيق هي ضلال، عمري ما عرفت أشوف حد مجسم، ظهورهم كان دايمًا في صورة ضلال، زي ما يكون مفيش ضوء عدل جوه البيت…
وخلال السنتين دول وزي السنة اللي قبلهم مسمعناش صوت حد من السكان ولا حد طلعلنا في يوم قال لنا بتعملوا إيه، السكان مش بيتحركوا أبدًا من البيت…
ومع الوقت العيال بدأت تزهق من المكان وحبوا يغيروه فزياراتنا خفت، لكن أنا قررت أجي لوحدي زي ما عملت من سنتين قبلها…
مكنتش مستعد نفسيًا أسيب المكان من غير ما اعرف سره، يمكن طول الوقت اللي فات محاولتش أدخل عشان كان لسه في احتمال أعرف حاجة عن السكان والبيت طول ما احنا بنتردد عليه، لكن خلاص شوية شوية علاقتنا كانت هتتقطع تمامًا بالمكان ومحلتش برضه لغز البيت، وهنا قررت اتجرأ وأكسر كلام الست المخيفة وأدخل…
بس عشان أدخل كان لازم أوصل لخطة ذكية، لازم يكون عندي عذر قوي عشان محدش من السكان يأذيني، يعني مبانش إني عايز أدخل وأحاول مقضيش وقت جوه كتير، يدوبك أعمل مسح كده سريع بعيني واحاول أركز في أي تفاصيل تخليني أحل اللغز…
والفكرة جاتلي…
أخدت واحد صاحبي، حد طيب أوي كده من النوع اللي تقول له يمين يمين شمال شمال…
نبهته ميسألنيش عن أي حاجة، ميوقفش قدام أي تصرف هعمله لما نوصل البيت ووعدته إني كنت هشرحله كل حاجة لما نرجع، وافق بعد شوية جدال…
وصلنا البيت، قربنا لمكان فيه شباك مش عالي أوي، ساعتها طلعت محفظتي من جيبي ورميتها من الشباك واخترقته ووقعت في البيت!
صاحبي بصلي باستغراب، كان مخضوض ومش فاهم حاجة، شاورتله على بوقي، اللي هو اسكت خالص…
وروحت بكل ثقة ناحية الباب وخبطت…
وقفت حاجة بتاعة دقيقة كاملة قبل ما الباب يتفتح واسمع سيمفونية التزييق الرهيبة بتاعته وكالعادة اللي طلعتلي كانت الست إياها، مش فاهم إشمعنى بس هي اللي بتظهر…
بقلب جامد قلتلها:
=بجد أنا آسف، صاحبي هزر معايا هزار تقيل، مسك محفظتي ورماها عندكم، ممكن أدخل أجيبها…
مالت براسها وضيقت عنيها كإنها بتحاول تحللني، لقت إني ثابت، مش مهزوز وخا.يف زي كل مرة، كإني بجد مش بكدب ومش بتلكك عشان أدخل…
قالت:
-بقالك فترة كبيرة مقربتش من البيت، سنين…
=عشان حضرتك نبهتيني، مكنتش طبعًا هزعجك، وبجد آسف على اللي حصل وأوعدك مش هيتكرر تاني، ممكن بس..
شاورتلي بإيديها عشان أقف وقالت:
-أنا هجيبهالك.
=حضرتك ممكن متعرفيش تلاقيها بسهولة، هاجي أدور معاكي…
-لأ متقلقش هلاقيها، خليك هنا…
ومشيت وسابت الباب مفتوح، ودي كانت أكبر غلطة عملتها….
مديت رجلي ودخلت….
الأرض كانت بتزيق، قديمة ومتهالكة، اتقدمت خطوتين بس وقعدت اتلفت حواليا، بتفرج على البيت…
لو حد غريب دخل البيت ده يستحيل ييجي في باله إن حد عايش فيه، البيت لا يصلح أبدًا للاستخدام الآدمي، ريحة عتيقة مكمكمة، عفش خربان ومترب، حيطان مقشرة وباهتة، هم إزاي قادرين يقعدوا وليه مش بيجددوا في المكان اللي عايشين فيه؟
وأنا غارق قي أفكاري الباب اترزع ورايا!
مكنش في هوا يخليه يتقفل ولا كان في حد…
اتلفت بذ.عر ناحية الباب، عرفت لحظتها إن اللي جي ميطمنش، رحلتي في البيت مش هتنتهي لحد كده…
لقيت اللي جايه بتجري عليا وعنيها مليانة غضب…
-أنت إيه اللي عملته؟
=معملتش…
-متكدبش! أنت خطيت جوه البيت، برغم إني قلتلك متدخلش، ومش المرة دي بس، الكام مرة اللي شفتك فيهم قلتلك متقربش…
=طب حضرتك أنا هاخد المحفظة وهمشي، الموضوع بسيط..
-مش بالسهولة دي، خلاص، أنت قاعد معانا هنا…
=مش فاهم…
مردتش عليا، شاورت بإيديها على كرسي كبير…
-هروح أعملك حاجة تشربها، تاكل حاجة معاها؟
هزيت راسي من غير ما ارد..
-فكر كويس، تاكل حاجة، أي حاجة، أي حاجة نفسك فيها هعملهالك، قدر الوقت المتبقي..
كلامها كان مر.عب! قصدها إيه؟ يعني إيه اأقدر الوقت المتبقي، مكنتش عايز أترجم اللي بتقوله، اكتفيت بإني أهز راسي مرة تانية…
-مش هتأخر عليك…
وأنا قاعد مستنيها سمعت صوت خطوات في الدور اللي فوق، خطوات فوضوية ملهاش نمط، وابواب بتتفتح وتتقفل…
بعد دقايق رجعت بكوباية فيها شاي على صينية وقدمتهولي…
قعدت قدامي على كرسي شبه اللي قاعد عليه بالظبط، كرسي ضخم، إيديه الاتنين حجمهم كبير وضهره كمان طويل، الواحد يغطس كده فيه..
شبكت إيديها في بعض وفضلت ساكتة شوية وبعدين قالت:
-اشرب، الشاي هيبرد..
رفعت الكوباية وأخدت شفطة، عيني مكنتش بتنزل من عليها، أنا مخدتش بالي قبل كده، الست مش مجرد مش مريحة، في حاجة فيها مكنتش طبيعية أبدًا، مبدأيًا لبسها هو هو مش بتغيره، دي كانت تالت مرة أشوفها على مدار 3 سنين، والتلات مرات كانت لابسة فيهم نفس العباية السودة، بس دي كانت عباية قيمة شبه عبايات رمضان اللي الناس بتخرج بيها في الأماكن الشيك، وملامحها متغيرتش، الخصلات البيضة في شعرها مزادوش، كإنها مكبرتش…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
-من حوالي 20 سنة كان في واحدة أحلامها كبيرة، كبيرة أوي، أكبر من الواقع بتاعها، هي كان عندها صوت جميل شبه صوت الكناريا أو العندليب، وكان نفسها في فرصة واحدة بس، والفرصة دي كانت هتمسك فيها بإيديها وسنانها، البنت مكنتش جميلة أوي، بمقاييس المجتمع يعني، عنيها مكنوش واسعين ولا ملامحها مقطقطة ولا جسمها عدى عليه خراطة البنات، وأنت عارف طبعًا المجتمعات الفنية، مش في مصر بس، في العالم كله، المتطلبات والضغوط اللي بتبقى على أي حد عنده موهبة، خصوصًا لو ست، حتى لو الموهبة كانت الصوت الحلو، يعني مش مطلوب تقف قدام كاميرا وتمثل وتبقى في أبهى صورة عشان طول الوقت بتواجه الجمهور، المفروض الصوت يتسمع والناس تركز في الغُنا لكن أهو، هو ده المطلوب برضه من المغنيين، مع استثناءات طبعًا، مُنية مقدرتش توصل، الفرصة مجاتلهاش، وده عشان شكلها العادي وإمكانياتها المادية الضعيفة، مكنش معاها فلوس حتى تنتج لنفسها ولا تعمل شريط عشان الناس تسمعها وتنطلق وبعدها تجيلها العروض، وبكده سقف التوقعات وقع على دماغها وأحلامها اتفتتت وطارت مع هبة الريح القوية اللي إسمها “الواقع المفروض”، ولقت نفسها في ساقية الحياة اللي طاحنة الكل، مضطرة تلاقي شغل في أي مكان بأي مرتب عشان متموتش من الجوع، مهو أهلها مكنوش هيقدروا يشيلوها، بالنسبة لهم هم عملوا اللي عليهم، ربوا وكبروا وعلموا…
ويشاء ربك إن معجزة تحصل، و”مُنية” تقابل راجل غني يقع في حبها ويتقدملها…
الراجل ده كان إبن صاحب المصنع اللي اشتغلت فيه، الإبن الكبير اللي كان هيمسك المصنع من بعد أبوه، ومن غير أي مجهود منها ولا لعب ولا حركات بنات، الشاب حبها ومن أول نظرة، وكمان أبوه معارضوش ولا الجوازة كان فيها أي تعقيدات…
“بعد ما كنت مر.عوب من ساعة ما دخلت البيت فكيت وارتحت وكمان علقت على كلامها:
=طب ما حلو أهو، سندريلا خرجت من القمقم واتجوزت أمير وعاشت في القصر، قصة أولها شقى وأخرها سعادة وراحة…
-متستعجلش، الحكاية لسه مبدأتش! “كرم” كان مستعد يعمل أي حاجة ل”مُنية”، هي بس تشاور وهو ينفذ، كل أمله في الحياة يشوفها مبسوطة علطول، و” مُنية” استغلت ده، فاكر الفرصة اللي قلتلك عليها، الحلم القديم؟
الحلم طلع كان مد.فون بس، لو اتشال شوية التراب اللي عليه هيخرج من تاني، والتراب اتشال….
لما طلبت “مُنية” من “كرم” ينتجلها شريط ويدفع للبرامج عشان تطلع تغني في التليفزيون نفذ فورًا ومن غير تردد وبقى يشجعها تحقق حلمها وتبقى مغنية مشهورة، هم حاولوا، الإمكانيات المادية كانت موجودة والموهبة كمان موجودة وقوية لكن ربنا مأرادش، الشريط منتشرش، فشل فشل ذريع، ومهما طلعت في برامج وغنت برضه متعرفتش كما يجب، ده اللي إسمه النصيب، وبعد فترة “مُنية” قيمت موقفها والواقع وقررت تعمل إعادة صياغة للواقع ده، لازم كانت تغير مسارها…
=تفكير مظبوط، بشجعها على الخطوة دي…
بصتلي بلؤم، وحطت الفنجان اللي في إيديها على الطربيزة جنبها وقالت بصوت واطي بعد ما قربت دماغها ليا:
-تعرف المسار اللي حودت عليه كان إيه؟
=مش قادر أتخيل…
-الشع.وذة!
سمعت صرخة مكتومة وبعدين أدركت إن الشمس قربت تغيب والدنيا بقت ضلمة في البيت، إيدي اترعشت وكنت هوقع الكوباية منها…
الست قالت لي:
-متخافش، هيبقى في نور دلوقتي، وأه، على فكرة صاحبك سابك ومشي!
=سابني؟!
-هو كده كده لو كان كسر الباب حتى مكنتش هتسمعه ولا هتعرف تطلعله، أقولك، لو جاب جيش واقتحموا البيت مش هيلاقوك…
معناه إيه بقى الكلام ده، هو أنا هيحصل فيا إيه؟ بعد ما كنت اتطمنت وفاكر إني بتضايف بقيت مرعوب أكتر من الأول، وبقى عندي يقين إني ممكن مخرجش من البيت ده، أنا…هتأ.ذي…
-خلينا نرجع لمرجوعنا…
سحبت من تاني الفنجان وأخدت شفطة..
-“مُنية” اصلها كانت طموحة أوي وكانت نفسها تبقى حاجة، لو مش مغنية، تبقى حاجة بنفس القوة أو أحسن كمان، وليه تكتفي بالثروة اللي عندها لما ممكن تعمل ثروات عليها وتحقق مجد رهيب، ومن هنا بدأت تدرس الس.حر الإسود، اتعلمت قراية الفنجان والكف والودع والكوتشينة وأي وسيلة تعرف بيها المستخبي، واتعرفت وحدة وحدة عن طريق اجتماعات وحفلات الطبقة الغنية، وجهاء المجتمع، الموضوع كان في البداية مجرد تسلية، الستات في الحفلات والتجمعات يخلوها تعرفلهم المستخبي وتتنبأ بأحداث في حياتهم، ولما كتير من اللي قالته حصل حاجات شبهه، مبقتش مجرد تسلية ، دول صدقوا إن “مُنية” عندها قدرات حقيقية والموضوع قلب جد وبقى في طوابير عليها والستات بتتسابق عشان تعرفها وتقرالهم الطالع، والستات قالوا لرجالتهم، ودول برضه بقوا يزوروها عشان يستشيروها في أعمالهم والقرارات اللي المفروض ياخدوها عشان ميخسروش، ومش بس في شغلهم، في حياتهم الشخصية كمان، “مُنية” صدقت نفسها زي ما الباقي صدقوها واتعمقت أكتر في السكة دي، اشترت كتب سح.ر وقعدت مع دجالين واتعلمت كتير عن التع.اويذ والأعمال ، الغريبة إن شكلها بدأ يتغير، بقى مقبض أكتر، مبقتش فيها أي أنوثة أو جمال…
“مُنية” نجحت أكتر مما كانت تتخيل، مشاهير كتير بقوا يترددوا عليها، ما بين مغنيين وممثلين ورجال أعمال وأصحاب نشاطات مشبوهة وسياسيين…
=سياسيين؟ إزاي ناس بالثقافة والمستوى الاجتماعي ده يلجأوا للسحر ويصدقوا الدج.الين؟
ابتسمتلي بخبث، فهمت إنها مستغرباني، إزاي اندمجت كده في القصة وبسألها وبستفسر وأنا شخصيًا في كارثة ومش هطلع سليم من البيت ده، أنا نفسي استغربت نفسي، لكن خلينا نحسبها، يعني هو أنا في إيدي إيه، كنت هقدر أهرب ؟ الرع.ب مراحش، مخفش حتى، لكن كنت عايز أسمع باقي الحكاية وأفهمها…
-أنا هقولك، أنت كده فتحت باب وراه دوشة وزحمة كتير، عالم كبير متتخيلش إنه موجود، بص يا سيدي، على مر التاريخ وفي كل أنحاء العالم تقريبًا أهم شخصيات المجتمع، علية القوم عادة بيلجأوا للسحرة والعرافين، مش بس في العصور القديمة وقبل الإسلام زي ما الناس متخيلة، الموضوع استمر ولسه موجود لحد النهارده، الواحد يبقى معاه كل حاجة اتمناها، الفلوس أو الشهرة أو المكانة الاجتماعية ويلجأ للس.احر عشان يزود اللي عنده، يعلي مكانته أو يحافظ عليها، وسواس يزن عليه يخليه يفتكر إن إمبراطوريته مهددة وإنه لازم يلاقي طريقة تضمن إنه يفضل مكانه وميوقعش، ولو مش واصل لحلمه بيلجأ للساحر عشان يحققله اللي عايزه، يحضر ج.ن ويديله في أحجبة ويخليه يعمل تصرفات معينة، تضحيات وتنازلات، حاجات متخطرش على بال الناس العاديين، أنت معندكش فكرة، مش هقولك المشاهير هنا في مصر والمثقفين واللي ماسكين مناصب، ده في دول العالم الأول، الدول اللي بتقود العالم كله في منهم مستشارين وعُمد وحتى رؤوساء بيلجأوا للسحر والطق.وس عشان يحافظوا على قوتهم ومكانتهم ونفوذهم ودول عددهم كبير أوي…
“شموع كتير نورت في نفس الوقت، كم مهول منهم، ومن غير ما حد يولعهم! بعد ما الدنيا كانت ضلمة النور بقى قوي، وملامح الست بقت واضحة تمامًا…
وقتها بس أدركت حاجة….
أنا كنت غلطان! المسألة مش نشاطات مش.بوهة، مش سلوكيات منحرفة وعلاقات مشبوهة ولا تجارة في مواد ممنوعة أو أعضاء، كل الحكاية إن البيت مسكون!
حاجة بسيطة جدًا، أنا في بيت مس.كون، والست اللي بتضايفني عارفة ومتعايشة مع الأش.باح..
فضلت سرحان، مبلم، كان نفسي أكون في كاب.وس ولا الأرض تنشق وتبلعني، هتعامل إزاي مع بيت مسكون؟
-مش عايز تعرف باقي القصة؟
حركت راسي من فوق لتحت بما معناه تمام، لكن أنا مكنتش تمام أبدًا…
-وزي ما الشخصيات المهمة في دول بره بيلجأوا للس.حرة، هنا برضه نفس الحكاية، خيم منصوبة وبيوت ومقرات للس.حرة بيزوروها الشخصيات الفي آي بي، منهم اللي بيطلبوا حجبة ليهم عشان يتشهروا ويتغنوا ويحققوا اللي عايزينه ومنهم اللي بيطلب أعمال عشان يأذ.ي غيره، المنافسين بتوعه، و”مُنية” مبخلتش على حد بحاجة، مكنتش بتقول لأ لأي طلب، اهم حاجة السعر يكون مناسب، اللي تطلبه تلاقيه، وفي من الشخصيات المهمة اللي مش مجرد لجألها مرة، لأ ده بقى زبون دايم، وبقوا صحاب كمان، من ضمنهم وزيرة، الوزيرة دي فضلت تتردد على “مُنية” سنة كاملة…
“عين الست اتحركت وثبتت في اتجاه معين، في نفس الوقت ده أنا حسيت بحركة ورايا، كيانين أو شخصين اتحركوا بخفة لحد ما وقفوا، واحد على يميني والتاني على شمالي، هو ده الاتجاه اللي عيون الست ثبتت عليها!، كانت بتبصلهم، يعني أنا مش بيتهيألي، فعلًا في كيانين واقفين على جوانب الكرسي الضخم اللي قاعد عليه”
وقتها جه في بالي فكرة مرع.بة أكتر من وجود الكيانين جنبي، التفاصيل اللي عند الست، معرفتها القوية ب”مُنية” واللي كانت بتعمله واللي كان بيدور في دماغها ومشاعرها واللي بيحصل في البيت…
هو إيه الكيانات اللي موجودة في البيت اصلًا، ليه البيت بقى مسكون؟
مش يمكن البيت ده كان مقر لأعمال الس.حر الإسود وده طبعًا خلى الج.ن يحضر ويرمح فيه، الضلال، الحركة العشوائية، الشموع اللي نورت لوحدها، الكيانات اللي حاضرة جنبي ومش شايفها، ومين اللي كانت بتمارس الشع.وذة والسحر؟ “مُنية”!
هو أنا قاعد مع مين؟
قالت وهي باصة على الكيانات كإنها بتوجه الكلام ليهم:
-مش دلوقتي، لما الحكاية تخلص!
الله، تقصد إيه بقى؟ هو إيه اللي هيحصل لما الحكاية تخلص؟؟
وفجأة حسيت إن الكيانات اللي جنبي مبقتش حاضرة، اختفوا…
رجعت وجهت الكلام ليا وقالت:
-الوزيرة صديقة “مُنية” طلبت في يوم منها تعو.يذة عشان يبقى معاها فلوس كتير أوي، كانت تعشق أصلها الفلوس، وهي كانت متريشة يعني بس أهو، كانت عايزه أضعاف أضعاف اللي عندها، و”مُنية” قالتلها بس كده أنتي تؤمري لكن هاخد مليون جنيه… وإيه يعني مليون قصاد الثروات اللي هتكسبها والفلوس اللي هتتمرمغ فيها، قالت في نفسها مش مهم، تاخد المليون… حضرت نص مليون جنيه زي ما “مُنية” طلبت كمقدم قبل التعو.يذة والأعمال وبعد ما تخلص والوزيرة تلاقي نتايج والفلوس تبتدي تنزل عليها من السما المفروض كانت تديها النص الباقي، الوزيرة “نهال” راحت على بيت “مُنية” اللي هو برضه كان مقر شغلها، قعدت اتضايفت في نفس المكان اللي احنا فيه، “نهال” كانت على الكرسي اللي أنت قاعد عليه و…السا.حرة على نفس الكرسي بتاعي…
“خلاص كنت جبت أخري، مش مستحمل، مش عايز اسمع القصة ولا مهتم، كل اللي عايزه إني أخرج من البيت، أفلت بجلدي، قلت وأنا بغمض عيني وبحط إيديا على وشي:
=بس، بس مش عايز أعرف، أنا عايز أمشي، أرجوكي، أنا… مفيش مني خ.طر، أوعدك مش هقول حاجة، أوعدك…
نزلت بعدها من الكرسي ومشيت على ركبي لحد ما وصلتلها، شبكت صوابعي في بعض تحت دقني وكملت وأنا بتشحتف:
=من فضلك سيبيني أخرج، أنا لا كإني شفتك ولا عرفت قصتك واللي بتعمليه..
-قصتي؟
وقتها حسيت بقوة رهيبة بترفعني من الأرض وبترجعني الكرسي وبترميني عليه!
لمحت بطرف عيني حاجة على الأرض أول مرة أشوفها، وعاء عميق جواه مادة حمرا لزجة بتغلي، د.م جواه بقاليل صغيرة…
خلاص، مهما كنت عملت، مهما اترجتها مكنتش هطلع من البيت، ده اللي أدركته…
هي كملت ولا كإن حاجة حصلت..
-بعد ما “نهال” اتضايفت وشربت الحاجة السخنة بتاعتها، طلعت على الأوضة اللي “مُنية” وجهتها ليها، “أوضة التطهير” ، الأوضة دي كانت مليانة شموع، كل شمعة على مسافة صغيرة من التانية، وكان في سرير رفيع فيها، “مُنية” قالت ل”نهال” إنها المفروض تمدد على السرير عشان تحصل عملية تطهير لاي طاقة سلبية فيها، حاجة زي عمليات التأمل والاسترخاء كده، الواحد يحاول يفضي دماغه من أي ضغوط ومشاعر سلبية وساعتها بيبقى مستعد لاستقبال طاقة من نوع تاني، عقله وروحه بيبقوا عاملين زي الباب المفتوح اللي هيستقبل أي موجات تيجي عليه، وفي الحالة دي “نهال” المفروض تستقبل الكيانات اللي هتساعدها تملك فلوس كتير…
لما “نهال” وصلت قدام السرير “مُنية” طلبت منها تقلع كل هدومها وتمدد على السرير وتغمض عنيها وتحاول تسترخي تمامًا…
“نهال” طبعًا عملت كده من غير تردد…
الوزيرة المصونة مددت على السرير وغمضت عنيها… سمعت “مُنية” بتردد كلمات غريبة، طلا.سم…
“الست سكتت، عنيها اتتثبتت وكإنها سرحت والعيون اتملت دموع”
الغريبة إني في الموقف ده جالي فضول أفهم هي سكتت ليه…
سألتها:
=وبعدين؟
رفعت راسها ليا وقالت بنبرة مكسورة مهزوزة:
-ولا قبلين، “نهال” لقت نفسها في عالم تاني…
=يعني إيه؟
-دي نهاية رحلة “نهال”، ما.تت قبل ما تدرك اللي حصل..
=ما.تت؟
-بعد ما غمضت عنيها بدقيقة تقريبًا وفي عز ما كانت “مُنية” بتقول الطلا.سم رفعت فاس حاد ونزلت بيه على رقبتها، فص.لت راسها عن جسمها..
ضحكات رجت في المكان من كل جهة، ضحكات خب.يثة شريرة ، زائد الذ.عر اللي كنت فيه، في إحساس تاني جالي، إدراك جديد، التأثر اللي الست كانت فيه والضحكات الش.ريرة اللي انطلقت من كل حته في البيت لكن مش منها بتوحي إن…الأدوار متبدلة!
كنت غلطان، بدلت أدوار الشخصيات، افترضت إن اللي بتحكي قدامي وجرتني للبيت هي الس.احرة، لكن دي مش الحقيقة، أنا معرفش فين الحقيقة كلها، ولازم كنت أعرفها…
-بعد ما فصلت الراس بضربة واحدة من الفاس قطعت ج.ثة “نهال” ل 18 قطعة ودف.نتهم في مكان ما قرب البيت، اصله كان في حتة مقطوعة ومازال زي ما أنت شايف… “مُنية” أخدت الفلوس واشترت بيها عربية فخمة، وعملت عمليات تجميل وجددت في البيت، روقت على نفسها…
بعد الجر.يمة بشهر الساحرة اتقبض عليها بتهمة ممارسة الدجل والشع.وذة، الله أعلم مين اللي بلغ عنها، لكن هي نفسها مكنتش تعرف إنها مقبوض عليها عشان كده، افتكرت إن البوليس عرف بجر.يمتها فقرت بكل حاجة!
حكت اللي عملته بأدق التفاصيل وبمنتهى البساطة والفخر..
-ليه بقى ق.تلت الوزيرة؟
=عشان في الحقيقة ده كان طقس! “نهال” كانت قربان للش.يطان، “مُنية” ق.تلتها وحرصت إن يبقى في دم كتير، الساحة تبقى د.موية على قد ما تقدر عشان ترضيه وهو يضمن ليها الخلود والإنضمام لجيشه وعشيرته، تتحرر من قيود الجسد والأوعية المادية…
-مش فاهم، هي الس.احرة اتهيألها الكلام ده يعني، من نفسها تخيلت إنها لما تق.تل حد بالطريقة البشعة دي هتتقرب من الش.يطان وهيخليها تعيش للأبد؟ ويعني إيه أوعية مادية؟
“صرخت صرخة عالية هزت السكون في المكان المهجور وده عشان حسيت بألم رهيب في كتفي ولحد ضهري، كإن مخالب اتغ.رست في لحمي، حد خرب.شني…
رفعت إيدي الشمال وزقيت ياقة القميص عشان أكشف عن كتفي وأبص، لقيت آثار عميقة لمخالب ونز.يف!
الست كانت قلقانة! الدموع اتجمعت بشكل أوضح في عيونها المرة دي، كانت قلقانة ومشفقة عليا…
كملت بنبرة حزينة وقالت:
-الأوعية هي أجسام البشر الفانية، وده اللي الش.يطان وعدها بيه، إنها تتحدى قواعد الفيزيا وتفضل موجودة برغم التلف اللي بيصيب الجسم والأمراض والم.وت…
“مُنية” كانت فخورة، وشها منور وهي بتتباهى بأعظم أعمالها، مشيت وهي رافعة راسها لفوق قدام قوات الشرطة في الأرض اللي حوالين البيت عشان توريهم موقع الأجزاء المد.فونة من جسم “نهال”، وجوزها كمان اتقبض عليه لإنه كان شريك ليها، كان موجود في البيت في الوقت اللي عملت فيه عملتها، وساعدها في إنه يهيأ أوضة الطق.وس وساعدها كمان في تقطيع جسم الضحية ود.فنها…
كانت بتوصي مساعدة ليها تجيبلها في السجن أحسن واشيك لبس في دولابها، وكل جلسة كانت بتلبس وتتشيك وتحط مكياج ولا كإنها عارضة أزياء، وابتسامتها مكنتش بتفارق وشها…
لما القاضي نطق بالحكم، بإحالة أوراقها للمفتي، انحنت ليه وللحاضرين في الجلسة وشكرتهم على الحكم وعلى اهتمامهم بيها!
وفي يوم تنفيذ الحكم، بصت لكل واحد من الحاضرين للإع.دام وابتسمت وقالت:
-أنا هرجع تاني!…
=هترجع فين وإزاي؟ ده…وعد الش.يطان ليها؟
-من وقتها والناس اللي بسبب ما بيعدوا حوالين بيتها بيشتكوا إن البيت أوقات بيبقى طالع منه دوشة، الباب والشبابيك بيفتحوا ويقفلوا من نفسهم، وفي صوت مزعج لواحدة ست بتقول كلام غريب..
=طلاس.م؟
هزت راسها بتأكد على كلامي وبعدين قالت:
-طلا.سم وطق.وس وحركة فوضوية وصريخ واستنجاد..
=البيت ده مس.كون مش كده؟
بصتلي بشفقة وهي بتعض شفايفها…
كملت كلامي…
=وأنا المفروض مكنتش أدخل، عشان كده كنت بتنبهيني، بتحاولي تبعديني عن البيت، حاولتي تنقذيني، كل اللي في البيت هنا أم.وات بما فيهم إنتي…لكن إنتي مش الساحرة، إنتي…الض.حية…
غمضت عنيها والدموع فضلت تسيل على خدودها…
الخصلة البيضة دي مكنتش موجودة قبل ما أم.وت، مش عارفه تفسيرها، زي ما أنا مش قادرة ألاقي تفسير لوجودي هنا…تفتكر…تفتكر في فرصة ليا؟ ممكن ربنا يغفرلي؟ أنا لجأت للس.حر، والسحر كف.ر وشرك بالله…
حركت راسي يمين وشمال، نبرتي كانت مهزوزة لإني بدأت أبكي وقلت:
=معرفش، أنا معرفش حاجة، أنا عاجز عن إني اساعد نفسي…
عنيها اتحركت، حسيت بحركة بتقرب مني، المرة دي الصوت والوجود كانوا أوضح، شفت انعكاس على الحيطة لشخصين، وطيت راسي في الأول وبعدين رفعتها وشفتهم، شكلهم كان بشع، مقبض، الساحرة وجوزها!
الس.احرة ابتسامتها كانت واسعة كإنها لقت كنز، أنا كنت الغنيمة بتاعتها، قرب.ان جديد، وعلى وش جوزها نفس التحمس، كانوا لابسين أرواب حمرة بغطا على الراس كاشف وشوشهم…
غمضت عيني تاني وعصرتها، معرفش ليه، بس تخيلت إن النهار طلع برغم إن الصبح كان لسه فاضل عليه كام ساعة، ملامحي ارتخت وصدقت نفسي، صدقت إن النهار طلع وإن البيت فاضي، كلهم مش موجدين، أنا لوحدي في البيت، لوحدي في البيت…
فتحت عيني ولقيت نفسي قدام باب البيت والشمس طالعة!
لقيت اللي بيجري عليا وهو مذ.عور، صاحبي اللي جبته معايا…
زعقلي وهو بينهج:
-أنت كنت فين؟؟
مردتش، أنا أصلًا مكنتش مستوعب اللي بيحصل…
-أنت مدرك إنك من إمبارح مختفي؟ قلتلي أستناك وأنت رميت المحفظة ودخلت البيت ومخرجتش، احنا الاتنين من امبارح غايبين عن أهالينا، مجاليش قلب ارجع من غيرك، كنت هقول لأهلك إيه؟
=هي قالتلي إنك مشيت.
-هي مين دي؟ أنا فعلًا فكرت أمشي، قطعت مسافة ورجعت تاني أدور عليك، أنا كنت مر.عوب، كنت هنا لوحدي بلف حوالين ساحة البيت، وكنت على وشك إني أدخل…
=لأ إوعى، إوعى تدخل البيت تحت أي ظرف!
-هدخله ليه؟ بيت السحيمي إياك؟! كنت هدخله عشان أدور عليك، أنت كنت فين؟
=مش متأكد، ومش واثق بالظبط من اللي حصل…
كنت بلف عشان أمشي وبطرف عيني لمحت ضل واقف عند الشباك…
دورت على قصة السا.حرة الطموحة وجوزها والض.حية ولقيت إنها حصلت فعلًا، حقيقي مش قادر أفسر اللي حصل لي في المكان ده، هل فعلًا دخلت البيت وطلعلي أشب.اح واتحكالي القصة بالتفاصيل من شب.ح الضحية ولا ده محصلش ومدخلتش أصلًا البيت، طب إيه اللي حصل لي من بليل للصبح، كنت فين وبعمل إيه وإزاي صاحبي مكنش لاقيني؟ لكن كان عندي إحساس قوي إن لو الأحداث اللي فاكرها فعلًا حصلت يبقى شب.ح أو طيف الست اللي حكتلي القصة بشكل ما ساعدني إني أخرج من البيت، أنقذتني، ولو على فرض إني مدخلتش لكن بطريقة ما شفت الرؤيا اللي شفتها فيمكن الغرض منها إني أدعيلها، أدعيلها بالمغفرة لإنها كانت طماعة ولجأت لس.احرة عشان تحققلها مجد وفلوس والرزق بأمر الله وحده، وهل يا ترى شب.حها هو اللي خلاني يتهيألي الأحداث كلها اللي حصلت في البيت عشان بس توصل لي الرسالة دي “إني أدعيلها؟” الله أعلم، اللي متأكد منه وشفته بعيني في المراية لما رجعت بيتي هي الخرابيش اللي كانت موجودة على كتفي ومسحوبة لحد ضهري ولحد دلوقتي آثارها موجودة!